كيفية تطهير المال المختلط من الحرام
كيفية تطهير المال المختلط من الحرام
كيفية تطهير المال المختلط من الحرام
لقد أثبتت
الدراسات أن معظم المعاملات المعاصرة قد اختلط فيها الحلال بالحرام، وتختلف نسبة
الحرام إلى الحلال حسب طبيعة ونوع المعاملة، ولقد أثارت هذه الظاهرة تساؤلات فقهية
ومالية منها على سبيل المثال ما يلي:
· ما هو الحكم
الشرعي في المعاملات التي اختلط فيها الحلال بالحرام؟.
·
ما هي نسبة
الحرام اليسير المسموح به عند الضرورة؟.
· كيف تطهر
الأموال و الأرباح والعوائد الناجمة عن المعاملات التي اختلط فيها الحلال بالحرام،
وذلك لأغراض تنقيه المال من الحرام؟.
·
كيفية حساب
الزكاة على الأموال التي اختلط فيها الحلال بالحرام؟.
·
كيفية
التخلص من المال الذي اكتسب من حرام؟
ولقد اجتهد
الفقهاء وأساتذة الاقتصاد والتمويل والاستثمار الإسلامي في وضع إجابات لهذه
التساؤلات وغيرها، ولقد استوجب ذلك وضع ضوابط (معايير) شرعية وأسس مالية لفصل
الحلال الطيب عن الحرام الخبيث, أي تقدير نسبة الحرام في الأموال والأرباح
والعوائد، وكيفية فصله وكيفية التخلص منه.
هذا سوف نتناوله في هذه الدراسة الفقهية
والمالية, وذلك بهدف تقديم المعلومات والتوصيات للمسلمين لاتخاذ قرارات التعامل في
المال والاستثمار ولحساب زكاة المال.
ولقد
اعتمدنا في إعداد هذه الدراسة على فتاوى مجامع الفقه الإسلامي وعلى نتائج الدراسات
السابقة التي قام بها بعض الفقهاء والعلماء من ذوى الاختصاص الدقيق في مجال فقه
المعاملات المالية..
* من صور الحرام في المعاملات المالية المعاصرة:
من صور وأشكال الحرام في المعاملات المالية
المعاصرة على سبيل المثال ما يلى:
·
الاقتراض من
البنوك ومن المؤسسات التمويلية المختلفة بنظام الفوائد الربوية، وهذا ما يطلق عليه:
"نظام الائتمان بفائدة"0
·
الودائع في
البنوك التقليدية الربوية والحصول على
فوائد.
·
الفوائد
المدينة (المدفوعة) والفوائد الدائنة (المحصلة) في بعض المعاملات مع الغير والمنصوص
عليها في العقود مثل عقود المقاولات والتوريدات والبيوع وما في حكم ذلك.
·
الكسب
الحرام لأسباب غير شرعية أو غير قانونية مثل العمولات الوهمية والرشوة والتدليس
والاختلاس والتكسب من الوظيفة, والاتجار في المحرمات والخبائث ونحو ذلك مما يطلق
عليه اسم "الأموال القذرة".
· الأرباح غير
المشروعة من التجارة في سلع وخدمات ونحوها مما تثار حولها
شبهات.
· فوائد
السندات والصكوك الحكومية وفوائد البريد وفوائد شهادات الاستثمار وما في ذلك من الفوائد الربوية المحرمة
شرعا.
·
الأرباح أو
العوائد المكتسبة من التعامل في البورصة بنظم الاختبارات والمستقبليات والمشتقات
وما في حكم ذلك مما صدر بشأنه فتاوى بتحريمها حيث تتضمن شبهات الميسر والربا والغرر
والجهالة.
·
الإيرادات
المكتسبة بسبب التهرب من أداء واجبات مالية للمجتمع ومنها على سبيل المثال الضرائب
والرسوم الحكومية وما في حكم ذلك.
* أحكام الحرام اليسير (القليل) المعفو عنه عند الضرورة في المعاملات
المالية:
في حالات
اختلاط المال الحلال بالحرام في المعاملات المالية، وأصبح من الصعوبة احتراز المال
الحرام وتجنبه تماماً، فقد استنبط الفقهاء من قواعد الفقه الإسلامي الكلية مجموعة
من القواعد الفرعية التي تبين الحكم الشرعي في هذه الحالة
منها:
قاعدة: "المشقة توجب التيسير"، وقاعدة: "للأكثر
حكم الكل"، وقاعدة: "اليسير الحرام معفو عنه في كثير من الأحكام"، ولقد وردت
القاعدة الأخيرة في كتب أصول الفقه بعبارات مختلفة كلها تحمل نفس المعنى المقصود،
منها على سبيل المثال: "اليسير مغتفر"، و"اليسير معفو عنه"، و"اليسير تجري فيه
المسامحة".
ويقصد بهذه
القاعدة أن المال الحرام اليسير الذي يصعب تحرزه في المعاملات المالية معفو عنه عند
الضرورة ويأخذ حكم الأكثر، ومن التطبيقات المعاصرة لذلك الأرباح المتولدة من الأسهم
المصدرة من شركات أصل معاملاتها حلال ولكن اختلطت بمعاملات حرام، أو الإيرادات
المكتسبة من عمل حلال ولكن اختلطت بإيرادات مكتسبة من مصدر حرام، وهكذا.
ومن المنظور
العملي تثار العديد من التساؤلات من أهمها ما يلي:
·
ما هي نسبة
المال الحرام اليسير المعفو عنه؟
·
كيفية
التصرف في المال أو الربح الحرام اليسير والمعفو عنه؟
هذا ما سوف
نتناوله بإيجاز في الفقرات التالية.
* الضوابط الشرعية للمال الحرام اليسير المعفو عنه
لقد وضع
الفقهاء مجموعة من الضوابط الشرعية للحرام اليسير المعفو عنه من أهمها ما يلى:
·
أن تكون
السمة الغالبة في المعاملات أو في الأموال أو في الأنشطة هي الحلال، وأن تكون النية
منعقدة على ذلك، وعليه يكون "للأكثر حكم الكل"، فإذا كان الأكثر حلالا، يكون حكم
الكل حلالا، ولو كان الأكثر حراماً، يكون حكم الكل حراماً.
·
أنه يصعب
التحرز من المال أو الكسب الحرام، بمعنى أن توجد مشقة عملية لتجنب المعاملات الحرام
بسب القوانين السيادية المحلية أو العالمية أو بسبب انتشار الفساد بكافة صوره وأصبح
من عموم البلوى.
·
أن تكون
النية المقصودة هي التعامل في الحلال، لأن النية هي المرجعية الأساسية في الأعمال
والعاملات، ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات.. الحديث" (متفق عليه) والذي
استنبطت منه القاعدة الشرعية: "الأمور بمقاصدها".
·
أن تكون
هناك ضرورة عملية واقعة حالة ملجئة لذلك، وهذا استثناء من الأصل وهو التعامل
بالحلال، وأساس ذلك القاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات" والمستنبطة من قول
الله عز وجل }إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير
الله، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، إن الله غفور
رحيم{ [سورة الأنعام: 119].
* تقدير نسبة الحرام اليسير المعفو عنه
لقد اختلفت
آراء الفقهاء في تقدير نسبة الحرام اليسير المعفو عنه في كل زمان ومكان حسب الظروف
والأحوال المحيطة بالمعاملات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، فعلى سبيل
المثال، تختلف هذه النسبة في البيئة العربية عن البيئة الأوروبية عن البيئة
الأمريكية وهكذا، كما تختلف هذه النسبة في زمن الحضارة الإسلامية عنه في زمن
العولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، وهكذا.
وما يعنينا
في هذا المقام هو الاسترشاد باجتهادات مجامع الفقه والفقهاء والمتخصصين في الاقتصاد
الإسلامي في الدول التي يقطن بها المسلم، فعلى سبيل المثال: يلتزم المسلمون في دول
الخليج بآراء الفقهاء في دول الخليج، ويلتزم المسلمون في أوروبا بفتاوى المجلس
العالمي للإفتاء في أوروبا وهكذا.
وفى ضوء
الاجتهادات الأكثر شيوعاً في البيئة العربية، فقد أفتى بعض الفقهاء أن تكون نسبة
الحرام اليسير المعفو عنه في حدود (نطاق) الربع (25%) ولكل فقيه أدلته التي اعتمد
عليها في اجتهاده، فلو فرض أنه قد اخذ بفتوى الربع (25%) يكون الحكم الشرعي على
النحو التالي:
حالة إذا كانت نسبة الحرام لا تزيد عن الربع،
يأخذ الكل حكم الأكثر وهو الحلال، تطبيق القاعدة: "الحرام اليسير معفو عنه".
حالة إذا كانت نسبة الحرام تزيد عن الربع (25%)،
لا يجوز التعامل في هذه الحالة، حيث لا تنطبق عليها القاعدة: "الحرام اليسير معفو
عنه".
* مثال رقمي
توضيحي:
- إذا كانت
نسبة المعاملات الحرام الفعلية فرضاً 15%.
- وكانت
نسبة الحرام اليسير وفق تقدير واجتهاد الفقهاء 25 % ففي هذه الحالة يجوز التعامل،
وتطبق القاعدة المذكورة.
- أما إذا
كانت نسبة المعاملات الحرام الفعلية فرضاً 30% ففي هذه الحالة لا يجوز التعامل، ولا
تطبق القاعدة المذكورة.
ويستوجب
تقدير وفصل المال الحرام عن المال الحلال وفقاً للأحكام والضوابط الشرعية بتحليل
مالي ومحاسبي للقوائم المالية وللمعاملات التي يقوم بها الأفراد والشركات والمؤسسات
والهيئات.
* أحكام التصرف في المال الحرام اليسير المعفو
عنه
يقول
الفقهاء أن المحرمات نوعان: محرم لعينه أو لوصفه مثل الخمر ولحم الخنزير، ومحرم
لكسبه مثل: النقود والحبوب والزروع والثمار، فهذه غير محرمة لا لعينها ولكن لكسبها،
وهذا النوع الأخير هو مقصدنا في هذه الدراسة لبيان كيفية التصرف فيه.
ويرى جمهور
الفقهاء من السلف والخلف أن من اختلط ماله الحلال بالحرام، أخرج قدر الحرام والباقي
حلال، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: }وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون{ [البقرة: 280].
وفى هذا
المقام يقول ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: "توبة من اختلط ماله الحلال
بالحرام، وتعذر عليه تميزه، أن يتصدق بقدر الحرام، ويطيب باقي ماله".
ولقد صدرت
العديد من الفتاوى عن مجامع الفقه الإسلامي وقرارات وتوصيات فقهاء وعلماء الاقتصاد
الإسلامي والمصرفية الإسلامية توجب بضرورة الاجتهاد والاحتراز بتقدير المال المكتسب
من حرام والتخلص منه في وجوه الخير وليس بنية التصدق لأن الله طيب لا يقبل إلا
طيباً، فعلى سبيل المثال صدرت فتوى عن المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي الذي عقد
بدولة الكويت في الفترة من 6-8 جمادى الآخرة 1403 هـ الموافقة من 21-23 مارس 1983
ما يلي نصها:
"يوصى المؤتمر أصحاب الأموال من المسلمين بتوجيه أموالهم أولا
إلى المصارف والمؤسسات والشركات الإسلامية داخل البلاد العربية والبلاد الإسلامية
ثم إلى خارجها وإلى أن يتم ذلك، تكون
الفائدة (الفائدة المصرفية) التي يحصلون عليها كسباً خبيثاً وعليهم
استيفاؤها والتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين العامة، ويعتبر الاستمرار في
إيداع الأموال في البنوك والمؤسسات الربوية مع إمكان تفادى ذلك عملاً محرما
شرعاً" (انتهت الفتوى).
كما ورد في
المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية،
المعيار الشرعي رقم (6) بعنوان "تحول البنك التقليدي إلى مصرف إسلامي" بند كيفية
التخلص من الكسب غير المشروع"، ما يلي نصه:
"ما آل إلى البنوك قبل التحول من الكسب غير المشروع الذي يجب
التخلص منه حسبما جاء في هذا المعيار، فإن عليه المبادرة إلى صرفه جميعه دون تأخير
إلا إذا تعذر ذلك بأن كان التخلص الكلى الفوري يؤدي إلى شلل أنشطة البنك أو إفلاسه
فيمكن حينئذ التخلص على مراحل مناسبة، ويجب أن تصرف الفوائد وغيرها من الكسب غير
المشروع في وجوه الخير وأغراض النفع العام، ولا يجوز استفادة المصرف منها بأي طريقة
مباشرة كانت أو غير مباشرة، مادية كانت أو معنوية، ومن أمثلة وجوه الخير: التدريب
والبحوث، وتوفير وسائل الإغاثة، وتوفير المساعدات المالية والمساعدات الفنية للدول
الإسلامية وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس، وما يتصل بنشر المعرفة
الإسلامية وغير ذلك من الوجوه، طبقاً لما تقرره هيئة الرقابة الشرعية
للمصرف" (انتهت فقرات المعيار الشرعي).
ونخلص من
القواعد الشرعية والفتاوى الصادرة السابقة إلى الآتي:
1.
وجوب فصل
الكسب من مصدر حرام والتخلص منه في وجوه الخير العامة بعد التوبة الصادقة.
2.
وجوب
المبادرة في التخلص من الكسب الحرام بقدر الإمكان.
3.
لا يجوز لمن
اكتسب مالا من حرام أن ينتفع منه بطريق مباشر أو غير مباشر.
4.
يكون المال
الباقي بعد التخلص من المال الحرام، حلالاً.
5.
وجوب الأخذ
بالأسباب المتاحة والممكنة لتجنب الكسب الحرام وأن تكون النية خالصة ومنعقدة على
ذلك.
* مجالات التخلص من المال
الحرام:
من أهم
مجالات التخلص من المال المكتسب من حرام على سبيل المثال ما يلي:
·
أعمال
الإغاثة الإسلامية العامة في جميع أنحاء العالم.
·
المساعدات
العلمية والفنية للدول الإسلامية الفقيرة.
·
دعم
المؤسسات التعليمية والاجتماعية الإسلامية.
·
مساعدة
المهجرين والمشردين من فقراء المسلمين.
·
الدفاع عن
الأسرى والمعتقلين المسلمين ورفع الظلم عنهم وتحريرهم.
·
رعاية
وكفالة اليتامى الفقراء ومن في حكمهم.
·
تشييد
المرافق ذات المصلحة العامة للناس.
·
دعم المراكز
والمؤسسات الطبية الخيرية ذات الاهتمام بالفقراء.
* مجالات لا يجوز التخلص من المال الحرام فيها
يقول
الفقهاء أنه لا يجوز إنفاق المال المكتسب من حرام في مجال تعمير المساجد أو شراء
المصاحف والنذور والكفاءات والهدى الأضحيات وما في حكم ذلك من مجالات العبادة
الخالصة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
0 التعليقات